أعمدة

مصطفى ابوالعزائم* يكتب في (بُعْدٌ .. و .. مسَافَة) .. السودان … و .. مهددات الفناء ؟

تحتفل بلادنا بكل مكوناتها الوطنية في الرابع عشر من أغسطس الجاري ، بالعيد الثامن والستين للقوات المسلحة السودانية ، وفي تقديرنا أنها هي المؤسسة الوطنية الأولى ، الجامعة لكل أبناء السودان ، وهي المؤسسة المانعة لكل من تسول له نفسه أن يعتدي على الشعب أو الأرض ، لأنها صمام الأمان بعد الله سبحانه وتعالى ، الذي يحمي بلادنا من التفكك والتشتت والإنقسام ، لذلك نتقدم بالتهنئة لشعبنا الكريم العظيم ، ولقواتنا المسلحة بأحر التهاني في العيد الثامن والستين للقوات المسلحة السودانية ، التي ما خيبت ظننا أبدا في الحفاظ على وحدة وتماسك السودان .
للمؤرخ والمفكر البريطاني “أرنولد توينبي” 1889 – 1975م، نظرية جريئة في مجال الدراسات المرتبطة بنشوء وإنهيار الحضارات ، وقد ظل يبحث عن الحوافز الخفية التي دفعت شعوباً بدائية إلى الإزدهار الحضاري ، وأخرى إنحدرت إلى التقهقر والعقم ، وقد ظل هناك سؤال محير لكل المؤرخين ودارسي الحضارات ، حول ماهية العوامل الأساسية التي صنعت تلك الحضارات الكبيرة ، وهل كان ذلك بمحض الصدفة أم بفضل العناية الإلهية ، أم لإمتياز عنصر عرقي دون بقية العناصر المكونة للأمة ، وهل للظروف الجغرافية علاقة بذلك ، أم أن الثورة الاقتصادية هي الشرارة الأولى التي تحفّز الهمم (؟)
أما الفيلسوف والمؤرخ والكاتب الأمريكي الأشهر “وول ديورانت” 1885 – 1981م، فقد تفرغ وزوجته “آييل ديورانت” ، تفرغاً تامّاً لنحو أربعين عاماً لتأليف (قصّة الحضارة) في أحد عشر جزءاً ، والذي ترجم إلى كل اللغات الحية .. بما فيها اللغة العربية بإشراف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية ، وقد صدرت النسخة العربية المترجمة في اثنين وأربعين مجلداً ، و(قصة الحضارة) عبارة عن موسوعة في الفلسفة والتاريخ تعكس تحليل مؤلفها لقيام الحضارات وزوالها ، ويحمد له أنه أنصف الحضارة العربية الإسلامية لالتزامه بالموضوعية والمنهج العلمي والالتزام الأخلاقي أو ما يمكن أن نسميه بالضمير الأكاديمي ، إذ عكس أثر الحضارة العربية والإسلامية على الحضارات الإنسانية.
الآن ظهرت دراسات تؤكّد على أن أرض السودان كانت هي مهد البشرية الأول ، بل ذهب البعض إلى إعتبار أن أرض النيلين كانت هي المقصودة في رحلة سيدنا “موسى” عليه السلام ، وظهرت باكراً نظريات تؤكّد على أن إنسان سنجة هو أقدم إنسان وجدت آثاره على الأرض ، أو هكذا كنا ندرس في المرحلتين الوسطى والثانوية ، ثم ظهرت الحضارات القديمة المرَوية ، والكوشية ، ونشأت ممالك سبأ وعلوة والمقرة ، ولا زالت آثار هذه الحضارات قائمة إلى يومنا هذا تشهد على ما كان عليه حال أهل السودان في السابق ، وهي تشهد للأسف الشديد ما آل إليه حالنا ، من تفكك ونزاعات وحروب مع عدم القدرة على احتمال الآخر.
يمكننا القول باختصار شديد إن الحضارة هي محاولات الجنس البشري على الأرض لإخضاع الطبيعة أو السيطرة عليها وتنظيم تلك السيطرة لصالح مجتمع ما قامت فيه تلك المحاولات .
إذاً يكون سؤالنا هو لماذا لم نتقدم أو نتوحد رغم كل هذا الثراء التاريخي والحضاري (؟) وفي تقدير خاص نرى أن مركزية السلطة وإتخاذ القرار هي ما يعول عليه كثيراً في تثبيت قواعد الحضارة ، وأسس الدولة الحاضرة دائماً في كل الأوقات والمحافل ، لذلك نجد أن الحضارات الإنسانية القديمة كلها نشأت تحت ظل سلطة مركزية مثل ما حدث في مصر القديمة أو الصين أو الهند أو بلاد فارس أو حتى في روما وأثينا، حيث كان الملك أو الحاكم أو السلطان هو السلطة الأعلى التي تُخضع الأمصار والبشر، ونادراً ما تحدث تفلتات ضد الأوامر العليا، وهو ما نطلق عليه حالياً هيبة الدولة ، والتي غالباً ما يضعفها الفيدرالية أو الحكم الولائي لأنه يعزز مفهوم الإستقلالية عن المركز ويقوي من الإعتقاد الزائف بالتميز عن بقية المواطنين في أنحاء الوطن المختلفة.
أذكر ما قاله مهاتير محمد في أحد لقاءاته التلفزيونية بقناة الجزيرة قبل سنوات ، إن أخطر ما كانت تواجهه ماليزيا ، كان هو التباين الكبير والتمييز بين الأثنيات ، حيث كان الصينيون يتمتعون بالثروات والأعمال الضخمة، بينما يتفوق الماليزيون الهنود في الأعمال والحرف التي تتطلب الدقة والمهارة ، في وقت كانت نسبة من السكان هم (الملايو) يعانون من الفقر والجهل والعطالة ، فكان أول ما إتجهت إليه الحكومة أن قامت بتمييز (المالايو) تمييزاً إيجابياً ، وفرت لهم التعليم المجاني وكذلك العلاج إلى أن حدث ذلك التغيير المنشود شيئاً فشيئاً ، فنهضت الأغلبية لتنهض الدولة.

سُئل “مهاتير محمد” عن إن كان بعض الحكام العرب أو الأنظمة العربية تتصل به لنقل التجربة للاستفادة منها، فقال (السودانيون)، وعندما سئل لماذا لم يستفيدوا من التجربة الماليزية قال (اختلاف الثقافات).
ترى هل يبقى السودان دولة واحدة متماسكة أم يتفكك (؟) .. وفي تقديرنا إن السودان سيتفكك حال أن سعى البعض إلى إضعاف الدولة من خلال إضعاف مكونها العسكري ، والذي يمثل المؤسسة الوطنية الأولى التي إن إستقرت إستقر الوطن وقوِي الإحساس بالأمن والطمأنينة ، وتقدمنا ألف خطوة إلى الأمام .

Email. : sagraljidyan@gmail.com

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى