التسوية السياسية ومالآتها على تعقيدات المشهد السياسي والامني السوداني .. د. عبد المجيد عبدالرحمن ابوماجدة
يبدو انّ الازمة السياسية في السودان وتعقيداتها ما زالت تراوح مكانها ولم تتزحزح قيد انملة ؛ اصبحت المظاهرات تاخذ زخماً كبيراً ؛ وازداد معها الاحتقان السياسي والامني في الاونة الاخيرة ؛ خاصة في ولايتي غرب كردفان والنيل الازرق ؛ بحيث شهدت الولايتان احداث امنية وقتال عنيف دامي ازهقت فيه مائات الارواح خاصة في ولاية النيل الازرق ؛ والتي اندلع فيها قتالاً قبلياً واثنياً يرتقي الي جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وانتهاكاً صارخاً لحقوق الانسان في الحياة ؛ صاحب ذلك ظروف امنية وانسانية بالغة في التعقيد ؛ ادت الي نزوح الآلآف من المواطنيين وما زالت الآثار الامنية والانسانية مُخيمة على الاجواء في الولاياتين ؛ على الرُغم من الهدوء النسبي في الاحوال الامنية وعودة بعض النازحين الي مناطقهم ومدنهم التي هجروها .
فمنذ انْ اعلن الفريق اول عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي الانتقالي القائد العام لقوات الشعب المسلحة في الرابع من يوليو 2022م عن تخلي القوات المسلحة عن الحياة السياسية والابتعاد عن العمل السياسي وممارسته ؛ واشار البرهان بانّ للقوات المسلحة ادواراً اخرى مهمة يجب ان تقوم بها .
اعقبه نائبه الاول الفريق اول محمد حمدان دقلو القائد الاعلى لقوات الدعم السريع عند عودته من الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور الي الخرطوم وتصريحاته في كثير من المناسبات والمحافل واللقاءات بأنّ القوات المسلحة وقوات الدعم السريع انسحبت من العمل السياسي وتركت المجال للاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لتبحث عن التوافق الوطني والعمل على تكوين حكومة كفاءات تقود ما تبقى من عمر الفترة الانتقالية .
في خضم هذه الاجواء الملبدة بالغيوم السياسية والتداعيات الامنية الخطيرة على مجمل الاوضاع في البلاد ؛ بدأت تتكشف بعض المبادرات الوطنية والاقليمية والدولية ؛ وهذه المبادرات لم يمضي عليها الوقت طويلاً لمعرفة ايهم اقرب للتوافق الوطني السوداني والحلول المنشودة ؛ حتى بدأت تظهر في الافق السياسي السوداني الحوارات واللقاءات التي ابتدرها مسؤول الامم المتحدة للعملية السياسية في السودان فولكر بتريس
ففي حين غِرةً من الامر تدخلت الامم المتحدة ومنظمة الايقاد والاتحاد الافريقي من جانب وامريكا والسعودية والامارات من جانب آخر وذلك من اجل تسهيل التواصل مع الاطراف السودانية لايجاد صيغة توافقية لبدء عملية الحوار غير المباشر مع الاطراف الفاعلة في الساحة السياسية السودانية ” المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير” وبعض من الجهات والواجهات الفاعلة بُغية الوصول لصيغة مُرضية للجميع تُفضي في النهاية الي تسوية سياسية شاملة لا تستثني احد .
وبحسب المصادر والمعلومات المتوفرة فإنّ الحوار بين الاطراف قد قطع اشواطاً متقدمةً خاصة في القضايا الاساسية التي تتعلق بصيغة الحكم والسند القانوني المرجعي لهذا الاتفاق سيكون اللائحة الدستورية التي اجازتها نقابة المحامين وعرضتها للاطراف المعنية بعملية الحوار السياسي للتوافق الوطني في السودان .
كما يبدو انّ الحوار انتقل من خانة غير مباشر الي حواراً مباشراً بين الطرفين وقد اتفق الطرفان على كثير من المسائل والقضايا محل الخلاف .
ففي تصريح خاص للقيادي بالحرية والتغيير المهندس خالد يوسف عمر “سلك” في برنامج لقناة الجزيرة مباشر ذكر بانّ وثيقة نقابة المحامين هي ستكون المرجعية الدستورية والقانونية لقوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” وكل قوى الثورة الحية ؛ التي تؤمن بالتغيير ؛ لكنه لم يشر بانّ هناك حواراً ثنائياً بين قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري واشار بانّ هناك حراك يدور بين الكثير من قوى الثورة .
واستناداً لمعلومات من مصدر عليم ليس ببعيد فيما يدور في الغرف المغلقة ودهاليزها للتفاوض بين ممثلي الحرية والتغيير وممثلي المكون العسكري تشير المعلومات بانّ هناك نقاط وقضايا مهمة قد تم الاتفاق عليها وهي تعتبر مسائل غاية في الاهمية ؛ كما اشار المصدر بقوله :- “لكن هناك قضايا جوهرية واساسية لم يتم التوافق حولها وقد تشكل العقبة الكؤود لهذه التسوية السياسية المرتقبة التي ينتظهرها الشعب السوداني بشغف” .
وهذه النقاط الجوهرية التي لم يتم الاتفاق عليها تتعلق بمنح الحصانات للمكون العسكري فيما يتعلق بموضوع فض اعتصام القيادة العامة في العام 2019م وقتل المتظاهرين قبل وبعد 25 اكتوبر 2021م .
اما القضية الجوهرية الاخرى التي لم يتم الاتفاق حولها فهي علاقة المجلس الاعلى للدفاع بالحكومة المدنية هل يتبع المجلس الاعلى للدفاع لرئيس مجلس الوزراء ام يكون مجلساً اشرافياً مهمته الدفاع عن الامن القومي السوداني واعلان حالة الحرب والطواريء وغيرها من الامور الامنية والعسكرية .
ورجحت المصادر العليمة بانّ هذا الاتفاق لم يكن ثنائياً كما هو مشاع ؛ لكنه في النهاية يُعرض على كل قوى الثورة الحقيقية لاجازته والاتفاق النهائي عليه .
إنّ التسوية السياسية الشاملة و المرتقبة قد طال انتظارها وبرأي مراقبيين يقولون السبب الحقيقي لتأخير اعلانها ؛ هي تلك القضايا الجوهرية المختلف حولها بين المكون العسكري وممثلي قوى الحرية والتغيير المتعلقة بمنح الحصانة وعدم المسائلة القانونية والعلاقة بين المجلس الاعلى للدفاع بالحكومة او رئيس مجلس الوزراء .
ولربما تصفو السماء وينتهي كدر النفوس ورهقها .
Abdulmajeedaboh@gmail.com
كاتب وباحث سوداني