أعمدة

مصطفى ابوالعزائم يكتب (بعْدٌ .. و .. مسافة)..السجن المؤبد في دائرة الازمة

نحن مواجهون بفترة قاسية وعصيبة حال ثبات الحكومة على موقفها من رفع الدعم عن المحروقات وبعض السلع الأخرى.. ولا زالت الحكومة تنادي بزيادة الإنتاج، وبعض المنظمات والاتحادات والنقابات ترفع ذات الشعار منذ مايو 1969م وما قبلها، ويردد قادتها هتافاً «شبه مقدس» يقول: «بالإنتاج سنحمي بلدنا» أو «سنحمي الثورة» أو «بالإنتاج لن نحتاج».
منطق الاقتصاد والسوق يعضد مفهوم تحسين الاقتصاد الوطني من خلال الإنتاج.. ولكن أي إنتاج..؟.. الإنتاج المعني هو الذي يمكن تصدير جزء كبير منه يعود بالعملات الصعبة للخزينة العامة، ولن يكون هناك معنى لأي أنتاج غير منافس للتصدير مهما كانت كميته، بل ربما أدت زيادة الإنتاج في سلع لا تصلح للتصدير إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، وفق قانون العرض والطلب المعروف الذي يعني تردي الأسعار حال توفر العرض بكميات تفوق حاجة الاستهلاك.
نحن في حاجة إلى تحسين المنتج من صادراتنا الزراعية والحيوانية حتى تجد لها موطئ قدم في أسواق العالم الخارجي التي تشهد منافسة شرسة بين المنتجين ليس فيها محاباة أو مجاملة أو ترضيات.
لا ادعي معرفة بالإقتصاد تقفز بنا إلى مصاف الخبراء أو المختصين، لكننا نعرف أن علم الاقتصاد يقوم على الموازنة المستمرة ما بين الموارد والاستهلاك، وهو عند العامة علاقة الإنسان ببذرة الذرة أو الدّخن أو القمح منذ زراعتها إلى حين حصادها ثم طحنها.
لقد ملّ المواطن السوداني السماع للأسطوانة المشروخة التي لم تتوقف عن الدوران منذ أن عرفت بلادنا الحكم الوطني عقب الاستقلال في يناير 1956م.
نعم.. ملّ المواطن تلك الأسطوانة المشروخة التي ظلت تهدد أمنه الاقتصادي وتهدد مستقبل أبنائه ومستقبل كل الوطن منذ سنوات.. والسبب أن ساستنا – عفا الله عنهم – باتوا يمسكون بكل الملفات التي تحتاج إلى مختصين.. فهم الآن الذين يخططون للاقتصاد والتجارة والصناعة والزراعة والتعليم والرياضة والثقافة والفنون والعلوم والطب وغيرها، لذلك ننحدر كل يوم إلى منحدر عميق، وننزلق إلى منزلق سحيق.
السياسي في كل الدنيا هو الذي يجيد قراءة الواقع، ويبحث عن الحلول من خلال تعرفه على المشاكل، ثم يتجه نحو أهل الخبرة والاختصاص للمساعدة في وضع عدة مقترحات للحلول، ويأخذ بأيسرها الذي يقلّل التكلفة، ويختصر الزمن.
تعالوا نسأل – بصدق – عن جدوى «الحلول» الحكومية المقترحة والمتمثلة في رفع الدعم عن المحروقات وعدد من السلع الأخرى، وهل هي «حلول» حقيقية لأزمات المواطن أم «تعقيدات» جديدة في مواجهته..؟..
نحن لا نريد أن نظلّ حبيسين إلى الأبد داخل زنازين الأزمات الاقتصادية لأنها تقود إلى تآكل الدولة وانهيار مكوناتها الاقتصادية، ولأنها – أي الأزمات – لا تلحق بنا الضرر فحسب ، بل الهزيمة لكل فكرة أو أمنية أو حلم في أن تتماسك بلادنا ونصبح قوة ذات شأن في المنطقة.
قضية الاقتصاد معقدة، تحتاج إلى مؤتمر عام ندفع إليه بخيرة أبناء هذا الوطن من المختصّين والإقتصادييّن، ويجلس السّياسيّون – مثلنا – في مقاعد المتفرجين، ليبدأوا بعد انتهاء المؤتمر في إستذكار كرّاسة التوصيات.
نحن مع المعالجات مهما كانت قاسية ، إن كانت ستحل المشكلة «الأزلية»، لكننا لسنا مع الحلول المؤقتة التي تتعقد بعدها الأمور لتصبح أسوأ مما كانت عليه.
نقول ذلك وأعيننا على «تعويم الجنيه» أو تحرير الدولار – بلغة أخرى – لأنه يتطلب وجود عائدات صادر تكافيء الحاجة للعملات الصعبة.. وهذا لا يبدو لنا في أفق الأزمة.. أو الحل .
إشارة مهمة :
هذا المقال يصوّر جانباً من عجزنا الأزلي في مواجهة التحديات والأزمات ، تقرأه الآن وقد نشرناه في أيام فترة حكم الإنقاذ ، عندما أرادت أن تطبّق روشتة البنك الدولي ، لقد تم النشر في صحيفة ( آخر لحظة ) عندما كنت أحد مالكيها ، ورئيس تحريرها ، وذلك بتاريخ الثالث عشر من يونيو في العام 2012م .
الله المستعان

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى