أعمدة

مصطفى ابوالعزائم يكتب في (بُعْدٌ .. و .. مسَافَة) .. أحزابنا .. عكس (الهوا) .. !

نذكر جميعنا – تقريباً – خاصةً من عاش وهج الفنون والغناء في سبعينيات القرن الماضي ، نذكر واحدةً من أجمل الأغنيات التي تغنى بها فناننا الكبير الراحل ، الأستاذ “حمد الريح”، وهي أغنية (أحبابنا أهل الهوى) والتي يقول مطلعها :
أحبابنا أهل الهوى
رحلوا وما تركوا خبر
.. بالله يا طير المشارق
هل عرفت لهم أثر؟
الأغنية طويلة وجميلة ، وأظنها للشاعر “عبد الواحد عبد الله” ، وقد خطرت الأغنية وأسمها على بالي عندما أردت أن أتناول ظاهرة الحزبية الحديثة في بلادنا ، وأعني بها ظاهرة التشرذم والتشظي ، التي ضربت هذه الأحزاب ، وفرّقتها شذر مذر ، تضرب في كل إتجاه غير الإتجاه الصحيح .
خطر لي ذلك الخاطر ليتحول عنوان الأغنية (أحبابنا أهل الهوى) إلى (أحزابنا عكس الهوا) والأخيرة – أي عكس الهوا – مصطلح شعبي يقال لمن يتم الإستغناء عنه فجأة دون إعتبار لأية علاقة سابقة أو أي تاريخ في فترة ما ، لذلك يقول الناس إن فلاناً (فكّوه عكس الهوا ) ، أي تم إبعاده إبعاداً ينم عن الغضب والقلق والخوف من مواقف محتملة قد تهز ثبات الجبل الحزبي القديم !
أحزابنا التي تآكل بعضها من الداخل بأيدي عضويتها أو بتدخلات أيادٍ خفية ، والتي عصفت بها رياح الخلافات بحيث لم ينجُ حزب منها ، حتى حزب المؤتمر الوطني الذي كان هو الحزب الحاكم الذي بيده السلطة وما تعنيه وتحمله هذه الكلمة من معانٍ وقوة ، كان قد عانى من ذلك الداء مثله مثل بقية الأحزاب الحليفة ، أو المعارضة أو تلك التي تبحث لها عن موقع في خارطة الحكم والسلطة .
ومحطة الخلافات والتشرذم في مسيرة الأحزاب والتنظيمات السّياسية وغير السّياسية في بلادنا ، هي محطة تبدو كأنما كُتِب على أحزابنا الوقوف عندها ، وألا تتجاوزها تجاوز القطار السريع الذي لا ينظر بأمر ناظر المحطة ، أن يحمل زيداً أو عمرواً في رحلته الطويلة .
نظرية الإنسلاخ والإنقسام والتشظّي ، طالت حتى الحركات المسلحة التي تمرّدت على أنظمة الحكم ، حتى تجاوز عددها المائة حركة مسلحة ، وأصبحت عضوية بعضها لا تتجاوز أصابع اليدين الإثنين ، أو على أكثر تقدير لا تتجاوز في عددها أصابع اليدين والقدمين معاً !
وتلك النظرية السودانية الصميمة – أي نظرية الانسلاخ – لها دوافعها ومسبباتها لدى الذين يقودون مسيرة الخروج عن الحزب الكبير ، ولها نتائجها السالبة في مسيرة وعضوية الحزب ، لأنها تشتت الجهد والقوى ، وتضعف البنية الحزبية ، وتؤدي إلى تآكل الهيكل والجسد معاً ، وتغير أيضاً من مسلّماتٍ نظريةٍ أو تطبيقيةٍ ، في العلوم الحديثة ، خاصة في علم الرياضيات الذي نعرف جميعنا أن (واحداً زائد واحد) فيه تساوي (اثنين) ، وأن (واحداً ناقص واحد) فيه تساوي (صفراً كبيراً) ، ونجد أنه في حال تطبيق (نظرية الإنسلاخ) أن (واحداً ناقص واحد) أي الحزب ناقص أحد أفراد عضويته ، يساوي حزباً جديداً لا يختلف كثيراً عن الحزب القديم ، أي (واحد ناقص واحد) يساوي (إثنين).. وإن إستمر الحال على ذات المنوال ، فإنه كلما نقص واحد في جانب الحزب ، زاد حزب آخر في الجانب الثاني من المعادلة .
الآن لدينا أكثر من مركز بحثي ومراكز أخرى لدراسة وتحليل الظواهر السياسية المستجدة وأسبابها ونتائجها ، ليت هذه المراكز البحثية أو السياسية المتخصصة ، تبدأ في دراسة هذه الظاهرة وتحليلها لمعرفة أسباب الانقسامات الحقيقية داخل الأحزاب السودانية ، وهل هي بسبب التشبث بمقاعد القيادة في الحزب ، أم هي بسبب تطلعات مشروعة أو غير مشروعة ، حتى في تولي أمر القيادة داخل تلك الأحزاب .. أم أن هناك أسباباً أخرى.
السلطة كهدف أساسي تعمل الأحزاب السياسية للوصول إليه ، ربما كانت أيضاً محركاً أساسياً للصراع داخل تلك الأحزاب ، التي لم تعد تعتمد على (البرنامج) وإنما على (كاريزما) القائد أو الراعي أو الرئيس .
أحزابنا نخشى عليها أن تتفرق شذر مذر ، وأن تبدأ في رحلة الإختفاء المُسبّب عن مسرح الفعل السياسي المباشر ، أو (غير المباشر) ، وهذه نقصد بها الوجود الرمزي في المحافل الدولية من منظمات أو دول راعية للأجسام والأحزاب والتنظيمات المعارضة ، وهو وجود شكلي لا تأثير له على أرض الواقع.
وأخشى أن يتجاوب كثيرون مع دعوة قديمة أطلقها مولانا الشيخ الأستاذ “عمر حضرة” بأن يصدر قرار بحل هذه الأحزاب ، ومنح تفويض شعبي بالسلطة لرئيس منتخب .
لكن هذا يعني كما نرى ويرى غيرنا ، أنه تحرير شهادة وفاة لمحتضر قبل أن تفارق الروح جسده .
الآن نحن نعيش واقعاً جديداً يتطلب اقتراباً أكثر والتحاماً أكبر بقضايا الناس لمن يريد أن يؤسس لحزب حقيقي ، يقوم على ثلاث ركائز هي الفكر والمنهج ثم القيادة المؤثرة .. فالإمكانيات .. ونجد إن من توفر لديه الفكر إفتقد المنهج ، ومن توفر له الفكر والمنهج إفتقر إلى الإمكانيات ، أما من توفرت له الإمكانيات والمال والثروة ، فإننا نجده يفتقر للفكر والمنهج معاً .

Email : sagraljidyan@gmail.com

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى